بمناسبة اليوم العالمي للسرطان..”الحائط الأبيض والخط الأصفر اللعين”!

بمناسبة اليوم العالمي للسرطان..”الحائط الأبيض والخط الأصفر اللعين”!

 

كتبت الاعلامية رنا بو رسلان في موقع الديار:

“ما ان تدخل البوابة الرئيسية حتى يرشدك موظف الإستعلامات في المستشفى الى الممر الذي يجب أن تسلكه في الطابق الارضي.

ممرّ حيث الجدران بيضاء اللون، مطلية بخط أصفر عريض يرافقك كدليل خاص الى الغرفة المقصودة.

هذا القسم من الطابق الارضي، يخفي معاناة أفراد جمعهم مرض مشترك، أصابهم شخصيا او أصاب مقرّبين منهم.

هو المرض اللعين الذي يفتك بخبث في أجساد أطفال وشباب وكهول، يفقدهم طاقتهم، وعزيمتهم، ولونهم وراحتهم وشعرهم… بحسب درجة الإصابة بالمرض وخطورتها.

خط أصفر تتبعه للدخول إلى قسم الأمراض السرطانية، قسم قد يُفقدك صوابك ان لم تضع عواطفك خارجا قبل ان تطأه قدماك.

غرف تُغلَق أبوابها على المصابين بالمرض نفسه لكن تختلف الحالات بحسب درجة ومكان الإصابة بالسرطان: أنين مريض، بكاء أقارب، صراخ يشير إلى الموت، مريض فقد القدرة على السير، وآخر فقد شهيته على الطعام، وغيره تملك به المرض وفقد الأمل. في المقابل قد يكون العكس ضحكات في الغرفة وفرح بالشفاء والإنتصار على المرض.

قد يستسلم البعض لهذا المرض الخبيث فيما يتمسك آخرون بالأمل ويكافحون، فلا أحد يعرف قد تحصل المعجزات في هذه الحياة.

وفي أحلك الظروف يُعيطك الله قوة كي تقدّم معنويات أنت فاقدها لكنّك تتظاهر بها.

لطالما كانت تخاف والدتي من مرض السرطان حتى أنّها تتحاشى لفظ اسمه، فأصابها المرض اللدود، وتقبّلت الواقع المرير بإيمان، وخضعت لعملية استئصال كليتها تبعتها جلسات علاج لمدة ستة أشهر. من بعدها كانت تجري الفحوصات الطبية كل ستة أشهر ثم كل سنة للتأكد من أنّ النتائج إيجابية، وهكذا كانت حتى انقلبت الأمور رأسا على عقب في الصورة والفحص الطبي الأخيرين حيث ظهر المرض في أماكن أخرى من جسدها لتعود وتخضع للعلاج نفسه لكنه لم يُفدها، ولجأ الطبيب إلى علاج جديد أكثر فعالية ولكنّه لا يزال قيد التجربة، فأعاد التاريخ نفسه مجددا حيث كانت الأمور تجري على ما يرام والصور والفحوصات الطبية كانت تبشّر بالخير إلى أن حصل ما هو غير متوقع وكانت الصدمة بالنتيجة السلبية للفحوصات والصور التي خالفت سابقاتها.

خدعة بريئة

كلام الطبيب حينها كان شبيها بإقفال أبواب الأمل أمامنا، تمنّينا حصول أعجوبة تُبدّل الوضع، قرّرنا إخفاء الأمر عنها، لم نعلم كيف سنبرّر لها قراره بوقف جلسات العلاج الخاصة بها خاصة وأنّها تلاحظ تراجع حالتها الصحية.

من حسن حظّنا أقنعتها “خدعة” الطبيب البريئة، حيث برّر آلامها المستمرة والمروعة بأنّها نقاط دم متجمّدة تضغط على العصب.

رحلة المورفين

من هنا قرّر طبيبها الخاص بالتعاون مع طبيب أشعة وطبيبة نفسية معالجة أعراض المرض والتخفيف من آلامها حتى تعيش الفترة المتبقية من حياتها براحة نفسية وجسدية الى حدّ ما.

بدأ تنفيذ الخطة ومعها استخدام المورفين.

من أصعب الأمور التي قد تختبرها في حياتك أن ترى والدتك تتلوع ألما وأنت عاجز عن مساعدتها، حتى المورفين الذي كان يجري باستمرار في عروقها والجرعة الإضافية التي يحقّ لها بها لم ينفعا في الفترة الأولى، إلى أن خضعت لعشر جلسات أشعة متتالية لمدة عشر دقائق يوميا.

على الرغم من أنّ جلسات الأشعة تسبّبت بأمور متوقع حصولها طبّيا، من حسن الحظ انّ مفعول المورفين أعطى نتيجة تزامنا مع هذه الجلسات.

كنّا نعيش كل يوم بيومه، حيث كانت تمتنع عن تناول الطعام، اللون الأصفر الشاحب يصبغ بشرتها، صوتها يخفت، مدّة نومها تطول بسبب الأدوية، حركتها تكاد تكون محدودة، لا تفارق الفراش إلاّ للضرورة، وإن كانت مرتاحة تسير دورا واحدا فقط في الممرّ ذهابا وايابا.

قد يتبدّل كل شيء خلال ساعات، يعدها الطبيب بمغادرة المستشفى بعد قضاء أكثر من ثلاثة أسابيع فيها، ثمّ يعدل عن قراره بعد التقاطها جرثومة.

ربما كان يقول الحقيقة في حينها، أو كان يخفي أمراً أسوأ ويكسب الوقت لتبديد شكوكه.

وبعد السماح لها بمغادرة المستشفى، نصحنا الأطباء أن نجتمع نحن الأخوة ووالدنا لاتخاذ القرار الأنسب لها بين بقائها في المنزل أم المستشفى في أسابيعها الأخيرة المتوقعة.

أدوية كثيرة وُصفت لها لتأخذها في المنزل، وطبعا ستحدّ من حركتها يوما بعد يوم، وتؤثر على تركيزها كالمورفين، لن تستطيع السير وحدها فربما تهوي أو تشعر بالدوار، كما أنّها بحاجة للمراقبة والمساعدة دوما.

قد تنقلب حياتك بين ليلة وضحاها، وتتحول أحلامك الى كوابيس لا تنتهي، لم يعد مرض السرطان همّنا بل الأوجاع الناتجة عنه. هل ستتحمّل الأوجاع وإلى متى؟

لم نخبرها بحقيقة حالتها، وحاربت المرض لستة أشهر إضافية فيما كان الأطباء يتوقعون أن تعيش لأسابيع فقط.

• 4 شباط يصادف اليوم العالمي لمرضى السرطان، تحيّة للأبطال الذين يحاربون هذا المرض في ظل الأوضاع الإقتصادية التي يمرّ بها لبنان، وللذين انتصروا عليه، ولأرواح الذين خسروا معركتهم ضدّه وبينهم والدتي”.

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock