زَغَلْ في قرية العُميان” قصة قصيرة.. تأليف: وسيم عليا

“زَغَلْ
في
قرية العُميان”

قصة قصيرة..
تأليف: وسيم عليا

ياقوت الشاب الثلاثيني
لم ينل من اسمه شيء سوى حروف التي تبتعد كل البعد عن أخلاقه المعدومة، والقاطن في إحدى القرى، والملقب ب”زَغَلْ” لذكائه ودهاءه في استغلال الناس وسرقتهم والتحرش بفتيات القرية دون استثناء وارتكابه لجميع الأفعال المنافية للأخلاق.
ولمكره ولحدة ذكاءه لم يكن بالمقدور إدانته و إثبات التهم عليه، فهو ماهر في تنفيذ جرائمه إلا أن أهل قريته كانوا على يقين بأنه الفاعل الوحيد.
وبقي مستمرًا على هذه الحال إلى أن يئس أهل القرية ولم يكن لهم سوى حل وحيد وهو عدم اقتناء أي شي يسرق لدرجة القحط والجوع لأنفسهم ومنع بناتهم من الخروج للتنزه أو القيام بأي عمل خوفًا منه.
هذا الحل بالرغم من قساوته إلا أنه كان صحيحًا ليجبر زَغَل على العزم إلى الانتقال لقرية أخرى يستطيع ممارسة أفعاله الدنيئة، لذلك فكر بمغادرة القرية بطريقة غير مثيرة للشكوك بحجة البحث عن مكان آخر لفعل الخير، ومساعدة الناس وكان اعتماده على الكلام اللبق الجميل والنخوة المصطنعة التي تبعد الظنون عنه.
وأثناء ارتياده لمقهى القرية البسيط وقع على مسامعه قرية يطلق عليها (قريةالعُميان).
عاد لمنزله وهذا الاسم لايفارقه حتى أنه لم ينم لشدة أفكاره الشريرة المتزاحمة.
وفي الصباح الباكر هَمَّ للاستفسار عن هذه القرية الصغيرة، ومعظم الناس أجادوا بوصفها لبركتها ولوفرة خيراتها لما تحتويه من ذهب وفضة ومقتنيات قديمة باهظة الثمن.
وبكل تأكيد ذُهل زَغَل عما سمعه و زاد تفكيره وبدأ ترتيب أفكاره و رسم مخططاته الشريرة بغية سرقتها واغتصاب ما استطاع من نسائها، وظنًّ أن خططه ستنجح لمجرد أن أهل القرية فاقدي البصر.
في اليوم التالي… شدَّ رحاله منطلقًا وأقنع أهل قريته عما يراوده وسيكون العون لأهل تلك القرية وخير معين لعلّ وعسى في حال نجاح سرقته ليعود أدراجه وليضمن محبة أهل القرية وبالأخص قلّة قليلة من يزور تلك القرية ومن النادر أن ترى بها غريبًا.
ولشدة مكره وكلامه المنمق وبعيون يملأها المكر اقتنع الناس وشجعوه.
وصل زَغَل إلى قرية العميان حاملًا أحلامه الشريرة في رأسه ليلتقي بأول شخص بالقرية رجل عجوز أضناه التعب في كل تجعيدة منه ألف حكاية.
رمى زَغَل السلام على العجوز السلام عليكم ياجدي يا أيها الشيخ المبجل، وكعادته بدأ
بالنفاق على ذلك الشيخ وكثرة الدعاء له وشرح هدفه من قدومه إلى القرية على أنه عازم على المساعدة من أجل الثواب فقط عند الله، وأتبع كلامه بالتعريف عن نفسه مقطوع من شجرة، قادم من مكان بعيد وبأنه على خلق عظيم.
وتوجه زَغَل بالسؤال:
هل سكان هذه القرية فاقدي البصر، فأجابه الشيخ:
نعم، الآن يابني باستثناء شخص واحد يبصر  قد يكون رجل أو امرأة أو طفل أو شيخ، لا أعلم من يكون حتى السكان أنفسهم لا يعلمون من هو لأنه لايريد أن يكشف حقيقته ليساعد الناس بالخفاء وليكون أجره عند الله مضاعف ولكي لا يُشعر الناس أنه يبصر وهم لا يبصرون.
وهمهم زَغَل في نفسه إذا توقف الأمر على شخص لابأس سأتمكن من معرفته وسأنفذ ماجئت لأقوم به وسأرمي التهم عليه وسأقنع الناس بذلك.
تابع زَغِل مسيره ولم يكن يثق بكلام الشيخ وخشي من وجود شخص أخر غفل عنه، وبدأ بتوجيه الأسئلة لأهل القرية واحد تلو الأخر حتى تيقن بعدم وجود سوى شخص وحيد و مامن أحد يعلم من يكون.
كل ما حصل عليه رجل وحيد مبصر يتظاهر بأنه فاقد للرؤية لكي لايعرفه أحد.
مكث زَغل فترة وجيزة من دون سرقة لكي يأخذ أمان أهل القرية ولكي يراقب من يكون هذا الشخص لكن دون جدوى.
وبدأ بالقيام بأعمال الخير ومساعدة أهل القرية بشكل كبير جدًا وبقي على هذه الحال بضعة أشهر ولم يستطع معرفة هذا الشخص.
نفذ صبره وقرر القيام بأعماله الشريرة بحذر شديد وكلما عزم على سرقة أو تحرش أو تخريب يُخيّل له بأنه شخص مبصر ويتراجع عن فعلته.
ومرّت السنين واعتاد زَغَل على فعل الخير وكم غمرته سعادة من المعاملة الحسنة ممن حوله.
ونسي تمامًا سبب قدومه إلى القرية وبدأ بمراجعة حساباته ولوم نفسه على ماكان في الماضي.
وعزم على البقاء على هذا الحال وعدم القيام بأي عمل غير أخلاقي وأصبح شخصًا طيبًا وذاع صيته لجميع القرى المجاورة التي بدأت بزيارة القرية لمعرفته.
وبالرغم من ذلك أصيب بحيرة لعدم معرفته بذلك الشخص المبصر….
وعاد ليلتقي العجوز الشيخ ليحصل على إجابة يريح بها رأسه.
فأجابه العجوز:
يابني أنت الشخص المبصر الوحيد ولا يوجد في القرية غيرك.
تعجب زَغَل من كلام الشيخ وقال له:
لما كذبت قبل أن تعرفني بئس العجوز أنت تكاد لا تعلم بأن الكذب خطيئة؟
قال العجوز:
لم أكذب يابني أنت من جهل قولي لضعف حكمتك وفراستك.
رد زَغل:
كيف وأنت من أكد بوجود شخص مبصر في هذه القرية.
قال العجوز:
نعم، قلت ولكن قبل ذلك أسبقت جملتي ب (الآن)والآن تعني الحاضر من الزمن وفي تلك اللحظة كنتَ حاضرًا بيننا يابني، صُعق زَغل من ذكاء وحكمة الشيخ وشعر بضعفه أمامه و تابع في السؤال ليضعف العجوز.
ولكنك أيها الشيخ قلت لي بأنك لا تعلم من هذا الشخص ربما رجل وربما امرأة أو طفل أو عجوز وكما تعلم أنا رجل.
قال الشيخ:
يابني في تلك اللحظة لم تكن رجلًا، بل كنت أراك ذكرًا فقط والأقوال لا تسبق الأفعال لم أرى فعلك لأحكم عليك.
وقلت  لك ربما امرأة: قاصدًا الصفات يابني، فقد تكون ضعيف البنية قاصرًا بيننا وتكثر الكلام فقط.
وقلت طفًلا لربما تكون لا علم لك بشيء، عديم الحكمة ومتهور من دون وعي.
وعن كونك عجوز لا حول لك ولا قوة ولا تقوى على مساعدة أحد حتى نفسك فكيف تنفع الناس.
أما قولي لا يريد أن يعرفه أحد من أجل مضاعفة ثوابه عند الله، لكي تعلم عظمة الثواب عند الله والثواب المخفي أعظم من الثواب المعلن، ولايحبذ أن تعرف يمينك ما قدمت يسارك، كل ذلك من أجل نصيحتك.
ولكي لايعرف الناس أنك مبصر خوفًا من تكبرك والاستهزاء بهم.
فأنت يابني لا ترى إلا ظاهر الكلام لم تستطع فهم ما أقصد.
انقبض قلب زَغَل واقشعر بدنه وعرف أنه جاهل وبأن الله يضع سرّه بأضعف خلقه وبكى بأحضان الشيخ وقبّله واعترف بنواياه وعن سبب قدومه للقرية وطلب منه بالدعاء لعلّ الله يغفر ذنوبه ببركة هذا الشيخ الحكيم.
وسرعان ما بدأ الشيخ بالدعاء والخشوع بين يدي الله.
وتزوج ياقوت وعاش ماتبقى من عمره ليحيا بإسمه من جديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock